بسم الله الرحمن الرحيم
الجنـَّـة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الأمين وبعد ،
يقول الله تعالى في القرءان الكريم :{ ليس كمثله شىء وهو السميع البصير}.
هو كلامنا اليوم ليس عن شرح هذه الآية الكريمة التي لطالما سمعتم شرحها منّا وهذا من عظيم نعم الله علينا وعليكم فإنّ اعتناءنا بعلم التوحيد هو اقتداء برسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم. وإنما أحببت أن أذكّر بها وهي أصرح ءاية في القرءان الكريم في تنـزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه. بدأت بها حتى أحدثكم بعد ذلك عن أعظم نعيم أهل الجنّة في الجنّة وهو رؤيتهم لله تعالى فليس شىء أحبّ إلى أهل الجنّة من رؤية الله يرونه بلا كيف ولا مكان ولا جهة ودليلنا على ذلك من قول الله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة } ومن حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " إنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته". فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم شبّه رؤيتنا لله من حيث عدم الشكّ برؤية القمر ليلة البدر ولم يشبّه الله تعالى بالقمر. فالأنبياء والأولياء يرونه كلّ يوم مرّتين أمّا سائر المؤمنين ففي الأسبوع مرّة لأنّ نعيم أهل الجنّة متفاوت كلّ بحسب درجته وعلوّ مقامه عند الله وذلك على حسب ما قدّم من الأعمال في الدنيا ولكن كلّ مكان في الجنّة المقدار القليل منه خير من الدنيا وما فيها، فالجنّة يجب الإيمان بها، الجنّة هي دار السلام دار النعيم المقيم الدائم والنعيم فيها قسمان : نعيم لا يناله إلا الأتقياء ونعيم يناله كلّ أهل الجنّة ومن هذا النعيم العامّ أنّ أهل الجنّة كلّهم شباب لا يهرمون أبدًا وكلّهم أصحّاء لا يسقمون ولا يمرضون أبدًا وكلّهم في سرور لا يصيبهم همّ وحزن ونكد وكرب وكلّهم يبقون أحياء في نعيم دائم لا يموتون أبدًا واسمعوا معي ما جاء في وصفها عن النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وسلّم قال : " هي وربّ الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتزّ ونهر مطرد وقصر مشيد وفاكهة نضيجة وزوجة حسناء جميلة في مقام أبديّ وحبرة ونضرة".
فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقسم بربّ الكعبة بأنّ الجنّة نور يتلألأ لذلك لا تحتاج الجنّة إلى شمس ولا قمر، لا ظلام فيها هناك كما في الدنيا لكنّ مقدار الليل والنهار يعرف بعلامة جعلها الله فيها، ولو كانت أعين أهل الجنّة بنسبة قوتها اليوم لعمي أهل الجنّة من عظم نور الجنّة لكنّ الله يعطيهم قوة أضعاف أضعاف أضعاف ما جعلها في أعينهم اليوم قوتها اليوم نسبة ضئيلة كنسبة النقطة من البحر، الله أعطى أبصارهم قوة بحيث تستطيع أن ترى مسافة ألف سنة كأنها كفّ يرونها رؤية ليس فيها اشتباه، وفي الجنّة طوبى، وطوبى إخوة الإيمان هي شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها تتفتّق بثياب أهل الجنّة يخرج منها ثياب لأهل الجنّة يلبسونها. وفي الجنة أنهار جارية لا تكلّف تعبًا بالتناول منها لأنها ليست في وهاد عميقة بل هي جارية على وجهها على وجه أرض الجنّة ، وفي الجنة أيضًا طيور وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: " إنك لتنظر إلى الطير في الجنّة فتشتهيه فيخرّ بين يديك مشويًا ".
ثم بعدما يأكله المؤمن يعيده الله كما كان فيطير وفي الجنّة سرر مرفوعة كما قال ربّنا في القرءان الكريم :{ فيها سرر مرفوعة }. وقد ورد في وصفها أنها مكلّلة بالدرّ والياقوت وألواحها من ذهب تكون مرتفعة ما لم يجئ أهلها فإذا جاء أهلها تواضعت لهم فيجلسون عليها ثمّ ترتفع بهم وقد جعل الله تعالى هذا السرير من وسائل التنقّل في الجنّة فإذا أراد الشخص رؤية أحد في الجنّة فإنّ هذا السرير ينتقل به يطير به في الجنّة بقدرة الله حتى يصل أمام سرير ذلك الشخص فيجلسون متقابلين ويتحدّثون ثمّ يعود به سريره إلى حيث كان وهذا معنى قوله تعالى : { على سررٍ متقابلين }.
اللهمّ بحقّ محمد اجمعنا بمن علّمنا هذا الكلام في أعلى علّيين ، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكر صفة الجنّة لأصحابه مرغّبًا لهم بالعمل مذكّرًا إيّاهم بالجدّ والاجتهاد في طاعة الله تعالى.
إخواني اجتهدوا في طاعة الله وانطلقوا بالدعوة إلى الله وتذكّروا قول الله تعالى : { إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة }.